فصل: باب من أحرم مطلقا أو قال‏:‏ أحرمت بما أحرم به فلان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب إدخال الحج على العمرة

1 - عن نافع قال‏:‏ ‏(‏ أراد ابن عمر الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة أذن أصنع كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشهدكم أن قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال‏:‏ ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي واهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم قال‏:‏ هكذا أصنع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حجة الحرورية‏)‏ هم الخوارج ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية وأربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وأما أن يحمل على تعدد القصة وإن الحرورية حجة سنة اخرى ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج بابن الزبير وكذا لمسلم من رواية يحيى القطان قوله‏:‏ ‏(‏كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏كما صنعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏أشهدكم أني قد أوجبت عمرة‏)‏ يعني من أجل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية‏.‏ قال‏:‏ النووي معناه أن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من العمرة‏.‏ وقال‏:‏ عياض يحتمل إن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والأحلال‏.‏ قال‏:‏ الحافظ وهذا هو الأظهر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ما شأن الحج والعمرة إلا واحد‏)‏‏.‏ يعني فيما يتعلق بالاحصار والاحلال قوله‏:‏ ‏(‏ولم يزد على ذلك‏)‏ هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام عليه وفي الحديث فوائد منا ما بوب له المصنف من جواز ادخال الحج على العمرة وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة وقيل ان كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسا على منع ادخال العمرة على الحج‏.‏ ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد‏.‏ ومنها أن القارن بهدى وشذ ابن حزم فقال‏:‏ لا هدى على القارن‏.‏ ومنها جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر‏.‏ ومنها إن الصحابة كانوا يستعملون القياص ويحتجون به‏.‏

2 - وعن جابر ‏(‏انه قال‏:‏ أقبلنا مهلين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى فقلنا حل ماذا قال‏:‏ الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلى أربع ليال ثم أهللن يوم التروية ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال‏:‏ ما شأنك قالت شأني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال‏:‏ إن هذا أمر كتبه اللّه على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال‏:‏ قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت يا رسول اللّه اني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال‏:‏ فأذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بحج مفرد‏)‏ استدل به من قال‏:‏ إن حجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وليس فيه إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أفرد الحج ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عركت‏)‏ بفتح العين المهملة والراء أي حاضت يقال‏:‏ عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا ‏(‏حل ماذا‏)‏ بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة وما استفهامية أي الحل من أي شيء ذا وهذا السؤال من جهة من جوز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الحل كله‏)‏ أي الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الأحرام بعد التحلل المأمور به‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ثم أهللنا يوم التروية‏)‏ هو اليوم الثامن من ذي الحجة قوله‏:‏ ‏(‏أمر كتبه اللّه على بنات آدم فاغتسلي‏)‏ الخ هذا الغسل قيل هو الغسل للاحرام ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا طهرت‏)‏ بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من حجتك وعمرتك‏)‏ هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وإن ما وقع في بعض الروايات من قوله‏:‏ أرفضي عمرتك وفي بعضها دعى عمرتك متأول‏:‏ قال‏:‏ النووي إن قوله‏:‏ حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ثم قال‏:‏ قد حللت من حجتك وعمرتك يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة‏.‏ احداها إن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وإن الرفض المذكور متأول‏.‏ الثانية إن القارن يكفيه طواف واحد هو مذهب الشافعي والجمهور وقال‏:‏ أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان‏.‏ الثالثة إن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح‏.‏ وموضع الدلالة إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعي متوفقا على تقدم الطواف عليه لما أخرته قالوا‏:‏ علم إن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فاذهب بها يا عبد الرحمن‏)‏ الخ قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج‏.‏ والحديث ساقه المصنف رحمه اللّه ههنا للاستدلال به على جواز ادخال الحج على العمرة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والأشتراط وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها‏.‏

 باب من أحرم مطلقا أو قال‏:‏ أحرمت بما أحرم به فلان

1 - عن أنس ‏(‏قال‏:‏ قدم علي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ بما أهللت يا علي فقال‏:‏ أهللت باهلال كهلال النبي قال‏:‏ لولا أن معي الهذى لأحلت‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ رواه النسائي من حديث جابر وقال‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏ لعلي بما أهللت قال‏:‏ قلت اللّهم أني أهل بما أهل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي موسى قال‏:‏ ‏(‏قدمت على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ سقت من هدي قلت لا قال‏:‏ فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل قال‏:‏ فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏قال‏:‏ كيف قلت حين أحرمت قال‏:‏ قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ وذكره أخرجاه‏.‏

قوله‏:‏ في حديث علي ‏(‏لولا معي الهدى لاحللت‏)‏ قال‏:‏ البخاري زاد محمد ابن بكر عن ابن جريج قال‏:‏ له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بما أهللت يا علي قال‏:‏ بما أهل به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ فاهد وامكث حراما كما أنت قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيت امرأة من قومي‏)‏ في رواية للبخاري امرأة من قيس والمتبادر من هذا الأطلاق أنها من قيس عيسلان وليس بينهم وبين الأشعري نسبة‏.‏ وفي رواية من نساء بني قيس قال‏:‏ الحافظ فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وإن المرأة زوج بعض اخوته فقد كان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد، والحديثان يدلان على جواز الاحرام كاحرام شخص يعرفه من أراد ذلك وأما مطلق الاحرام على الابهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ماشاء لكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم يم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور وعن المالكية لا يصح الاحرام على الابهام وهو قول الكوفيين قال‏:‏ ابن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الاحرام فلا يصح ذلك وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية وهي هل يكون خطابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة أولا فمن ذهب إلى الأول جعل حديث علي وأبي موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية الا بدليل ومن ذهب إلى الثاني قال‏:‏ إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول‏.‏

 باب التلبية وصفتها وأحكامها

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال‏:‏ اللّهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد اللّه يزيد مع هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قالوا‏:‏ لناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ومسلم بمعناه‏.‏

3 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ في تلبيته لبيك اله الحق لبيك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والنسائي‏.‏

حديث أبي هريرة صححه ابن حبان والحاكم قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ لبيك‏)‏ قال‏:‏ في الفتح هو لفظ مثني عند سيبويه ومن تبعه وقال‏:‏ يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبالك فثنى على التأكيد أي البابا بعد الباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة ومعناه أجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معناه غير ذلك‏.‏ قال‏:‏ ابن عبد البر قال‏:‏ جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج وهذا قد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة في غير واحد‏.‏ قال‏:‏ الحافظ والأسانيد إليهم قوية وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع قوله‏:‏ ‏(‏إن الحمد‏(‏ بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل قال‏:‏ في الفتح والكسر أجود عند الجمهور قال‏:‏ ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال‏:‏ معناه لبيك لهذا السبب الخاص ومثله قال‏:‏ ابن دقيق العيد‏.‏ وقال‏:‏ ابن عبد البر معناهما واحد وتعقب ونقل الزمخشري إن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر قوله‏:‏ ‏(‏والنعمة لك‏)‏ المشهور فيه النصب ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا قاله ابن الانباري وكذلك الملك المشهور فيه النصب ويجوز الرفع قوله‏:‏ ‏(‏وكان عبد اللّه‏)‏ الخ أخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال‏:‏ كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد ‏(‏لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن‏)‏ قال‏:‏ الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على ذلك غير أن قوما قالوا‏:‏ لابأس أن يزيد فيها من الذكر للّه تعالى ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بما في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ لا ينبغي أن يزاد على ماعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الناس وبجواز الزيادة قال‏:‏ الجمهور‏.‏ وحكى ابن عبد البرعن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي وقد اختلف في حكم التلبية فقال‏:‏ الشافعي وأحمد أنها سنة‏.‏ وقال‏:‏ ابن أبي هريرة واجبة وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها وقال‏:‏ ابن شاس من المالكية وصاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجيه على الطريق وحكى ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر أنها ركن في الأحرام لا ينعقد بدونها وأخرج ابن سعدعن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة‏.‏

4 - وعن السائب بن خلاد قال ‏(‏قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏ وفي رواية ‏(‏أن جبريل أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ كن عجاجا ثجاجا والعج والتلبية والثج نحر البدن‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

5 - وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل اللّه عز وجل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار‏)‏‏.‏

رواه الشافعي والدارقطني‏.‏

6 - وعن القاسم بن محمد قال‏:‏ ‏(‏كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته إن يصلي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

7 - وعن الفضل عن العباس قال‏:‏ كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من جمع إلى مني فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة ‏.‏ وعن عطاء عن ابن عباس ‏(‏قال‏:‏ يرفع الحديث انه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

8 - وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال‏:‏ يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وأخرج نحوه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا وأحمد من حديث ابن عباس‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم‏)‏‏.‏ وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي بكر الصديق (أفضل الحج العج والثج‏)‏ واستغر به الترمذي وحكي الدارقطني الاختلاف فيه وأشار الترمذي إلى نحوه من حديث جابر‏.‏ ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك وهو إسحاق بن أبي فروة‏.‏ وروى ابن المقري في مسند أبي حنيفة عن ابن مسعود نحوه‏:‏ وأخرجه أبو يعلى‏.‏ وحديث خزيمة في إسناده صالح ابن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف وفيه أيضا إبراهيم بن أبي يحيى ولكنه قد تابعه عليه عبد اللّه بن عبيد اللّه الأموي أخرجه البيهقي والدارقطني‏.‏ وحديث ابن عباس الأول في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال‏:‏ وحديثه الثاني قال‏:‏ المنذري أخرجه الترمذي وقال‏:‏ صحيح وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى كلام المنذري‏.‏ وليس في الترمذي إلا الحديث الأول والذي عزاه إليه المصنف وهو والذي بعده حديث واحد ولكنه لما اختلف لفظهما جعلهما المصنف حديثين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن آمر أصحابي‏)‏ الخ استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه وبه قال‏:‏ ابن رسلان‏.‏ وخرج بقوله‏:‏ أصحابي النساء فإن المرأة لا نجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها‏.‏ قال‏:‏ الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها وكذا قال‏:‏ أبو لطيب وابن الرفعة وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله‏:‏ فأمرني أن آمر أصحابي لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول اللّه تعالى ‏{‏وللّه على الناس حج البيت‏}‏ وقوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏خذوا عني مناسككم‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏حتى رمى جمرة العقبة‏)‏ فيه دليل على أن التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة‏.‏ وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى المووقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعلي وبه قال‏:‏ مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث‏.‏ وعن الحسن البصري مثله لكن قال‏:‏ إذا صلى الغداة يوم عرفة واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمى أول حصاة وعند تمام الرمي فذهب جمهور إلى الأول وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال‏:‏ ‏(‏أفضت عمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة‏)‏ قال‏:‏ ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى‏.‏ والأمر كما قال‏:‏ ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول قوله‏:‏ ‏(‏حتى يستلم الحجر‏)‏ ظاهره أن يلبي في حال دخول المسجد بعد رؤية البيت وفي حال مشية حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد وفال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد‏.‏

 باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة

1 - عن جابر قال‏:‏ ‏(‏أهللنا بالحج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فقال‏:‏ يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدى معي لفعلت كما فعلتم قال‏:‏ فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏(‏اهللنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نحل وقال‏:‏ لولا هديىلحللت ثم قام سراقة بن مالك فقال‏:‏ يا رسول اللّه أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال‏:‏ بلى هي للأبد‏)‏‏.‏ رواه البخاري وأبو داود ولمسلم معناه‏.‏

2 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحلنا إلى منى أهللنا بالحج‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت ‏(‏خرجنا محرمين فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل‏)‏‏.‏

رواه مسلم وابن ماجه‏.‏ ولمسلم في رواية ‏(‏قدمنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مهلين بالحج‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعلنا مكة بظهر‏)‏ أي جعلناها وراء أظهرنا وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى قوله‏:‏ ‏(‏لا يخالطه شيء‏)‏‏.‏ يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله‏:‏ ‏(‏من ذي الحجة‏(‏ بكسر الحاء على الأفصح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت متعتنا هذه‏)‏ أي أخبرني عن فسخنا الحج إلي عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لعامنا هذا‏)‏ أي مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد أي جميع الإعصار‏.‏ وقد ستدل بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال‏:‏ أنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل واحد وبه قال‏:‏ أحمد وطائفة من أهل الظاهر وقال‏:‏ مالك وأبو حنيفة والشافعي قال‏:‏ النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختص بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها قالوا‏:‏ وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واستدلوا بحديث أبي ذر وحديث الحرث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما قالوا‏:‏ ومعنى قوله‏:‏ للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران فهما جائزان إلى يوم القيامة وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بتلك السنة وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم وهم جابر وسراقة بن مالك وأبو سعيد وأسماء وعائشة وابن عباس وأنس وابن عمر والربيع بن سبرة والبراء وأربعة لم يذكر احاديثهم وهم حفصة وعلي وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو موسى‏.‏ قال‏:‏ في الهدي وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبو موسى الأشعري ومذهب أمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد اللّه ابن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى‏.‏ واعلم إن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ‏.‏ وقول أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به عليها إنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب وغاية ما فيه أنه قول صحابي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كان عباس فإنه أخرج عنه مسلم أنه كان يقول ‏(‏لا يطوف بالبيت حاج الاحل‏)‏ وأخرج عبد الرزاق أنه قال‏:‏ من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى فقيل له إن الناس ينكرون ذلك عليك فقال‏:‏ هي سنة نبيهم وإن رغموا وكابى موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة عمر كما في صحيح البخاري على ان قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لسراقة بقوله‏:‏ للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله‏:‏ متعتنا هذه فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة وأما حديث الحرث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه غير صالح للتمسك به على فرض أنفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا كلها صحيحة وقد أبعد من قال‏:‏ أنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد

وأما ما رواه البزار عن عمر أنه قال‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا‏)‏ فقال‏:‏ ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء‏.‏ ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة ويقول عمر لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه‏.‏ ويقول عمر لما سئل‏.‏ هل نهى عن متعة الحج فقال‏:‏ لا أبعد كتاب اللّه أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏بل للأبد‏)‏ فإن قطع لتوهم ورود النسخ عليها واستدل على النسخ بما أخرجه أبو داود ‏(‏أن رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن العمرة قبل الحج‏)‏ وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر وقال‏:‏ أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال‏:‏ وقد أعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع اهل العلم ولم يذكر فيه خلافا انتهى‏.‏ إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة وسيأتي في أخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز فما بعض إلى انه واجب قال‏:‏ ابن القيم في الهدى بعد أن ذكر الحديث البراء الأتي وغضبه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد اللّه علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم واتباعا لأمره فواللّه ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى اللّه على لسانة سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجابه بأن ذلك كائن لا بد فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على من خالفه انتهى‏.‏ والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله‏:‏ فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى‏.‏

4 - وعن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏خرجنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا نرى إلى أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت وأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت وذكرت قصتها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفى الأثر وأنسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه أي الحل قال‏:‏ حل كله‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

6 - وعنه قال ‏(‏قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هذه عمرة أستمتعنا به فلم يكن عند هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

7- وعنه أيضا ‏(‏أنه سئل عن متعة الحج فقال‏:‏ أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اجعلوا أهلا لكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة أتينا النساء ولبسنا الثياب وقال‏:‏ من قلد الهدى فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال‏:‏ تعالي ‏{‏فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} (إلى أمصاركم‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولانرى إلى أنه الحج‏)‏ في لفظ لمسلم ولا نذكر إلا الحج وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا محرمين بالحج وقد تقدم قولها‏:‏ ‏(‏فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة ومنا من أهل بالحج‏)‏ فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجوه الأحرام وجوز لهم الأعتمار في أشهر الحج قوله‏:‏ ‏(‏ونساؤه لم يسقن‏)‏ أي الهدي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وذكرت قصتها‏)‏ وهي كما في البخاري وغيره ‏(‏فلما كانت لية الحصبة قلت يا رسول اللّه يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة قال‏:‏ وما طفت ليالي قدمنا مكة قلت لافال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فاهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا فقالت‏:‏ صفية ما أراني الا حابستهم قال‏:‏ عقرا حلقا أو ما طفت يوم النحر قالت قلت بلى قال‏:‏ لا بأس انفري قالت عائشة‏:‏ فلقيني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها‏)‏ قوله‏:‏ من أفجر الفجور هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخاواتها قوله‏:‏ ‏(‏ويجعلون المحرم صفر‏)‏ قال‏:‏ في الفتح كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال‏:‏ النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور في اللغة الربعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال‏:‏ المعرفة والساعة وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان والأزمنة ساعات والساعات مؤنثة انتهى‏.‏ وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب فضللّهم اللّه عز وجل في ذلك فقال‏:‏ ‏{‏إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا برأ الدبر‏)‏ بفتح الدال المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الأبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج قوله‏:‏ ‏(‏وعفا الأثر‏(‏ أي اندرس أثر الأبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وهذه الالفاظ تقرأ ساكنة الراو لإرادة السجع ووجه تعليق جواز الأعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج أنهم لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبرابلهم إلى عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الأعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ حل كله‏)‏ أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الأحرام حتى الوطء للنساء قوله‏:‏ هذه عمرة استمتعنا بها هذا من متمسكات من قال‏:‏ إن حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك وقد تقدم الكلام على حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة‏)‏ قيل معناه سقط فعلها بالدخول في الحد هو على قول من لا يرى العمرة واجبة وأما من يرى أنها واجبة فقال‏:‏ النووي قال‏:‏ أصحابنا وغيرهم فيه تفسير أن أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في الحج في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران والثاني معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج‏.‏ قال‏:‏ الترمذي هكذا قال‏:‏ الشافعي وأحمد وإسحاق وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ وقد تقدم البحث في ذلك‏.‏

8 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال‏:‏ ونحر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سبع بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

9 - وعن ابن عمر ‏(‏قال‏:‏ قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدى قالوا‏:‏ يا رسول اللّه أيروج أحدنا إلى مني وذكره يقطر منيا قال‏:‏ نعم وسطعت المجامر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث ابن عمر قال‏:‏ في مجمع الزوائد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار وهو من احاديث الفسخ التي قال‏:‏ ابن القيم كلها صحاح وهو أحد الأحاديث التي قال‏:‏ أحمد بن حنبل ان عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا قوله‏:‏ ‏(‏بات بذي الحليفة حتى أصبح‏)‏ فيه استحباب المبيت بميقات الاحرام قوله‏:‏ وأهل الناس بهما فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم ولفظ أبي داود ‏(‏ثم أهل الناس بهما‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏فحلوا‏)‏ أي أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته ‏:‏قوله‏:‏ ‏(‏يوم التروية‏)‏ هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏(‏ فيه استحباب نحر الأبل قائمة قوله‏:‏ ‏(‏وذبح بالمدية كبشين‏)‏ فيه مشروعية الأضحية وسيأتي الكلام عليها إن شاء اللّه تعالى ويأتي إن شاء اللّه تعالى تفسير الاملح قوله‏:‏ ‏(‏ وذكره يقطر منيا‏)‏ فيه اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وسطعت المجامر‏)‏ في رواية لابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه ‏(‏جئنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حجاجا فجعلناها عمرة فحللنا الاحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء‏)‏ والمراد انهم تبخروا والبخور نوع من انواع الطيب‏.‏

10 - وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى إذا كان بعسفان قال‏:‏ له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول اللّه اقض لنا قوم كأنما ولدوا اليوم فقال‏:‏ إن اللّه عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل الا من كان معه هدي‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

11 - وعن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه قال‏:‏ فاحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال‏:‏ اجعلوا حجكم عمرة قال‏:‏ فقال‏:‏ الناس يا رسول اللّه قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة قال‏:‏ انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل علىعائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه اللّه قال‏:‏ ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أبتع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

الحديث الأول سكت عنه أبو داود ورجاله رجال الصحيح والمنذري والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال‏:‏ في مجمع الزوائد وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد وابن القيم قوله‏:‏ ‏(‏بعسفان‏)‏ قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال‏:‏ في الموطأ بين مكة وعسفان أربع برد قوله‏:‏ ‏(‏اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم‏)‏ أي أعلمنا كأنما وجدوا الآن وفي رواية لأبي داود كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا عليك الأن قوله‏:‏ ‏(‏إلامن كان معه هدي‏)‏ يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله قوله‏:‏ ‏(‏فغضب‏)‏ استدل به من قال‏:‏ بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ولما كان يغضب رسول اللّه ‏؟‏‏؟‏ عند مخالفته لأنه لا يغضب الا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد ما أرشد إليه على جهة الندب ولا سيما وقد قالوا‏:‏ له قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة فقال‏:‏ لهم انظروا ما أمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا إن ذلك أمر حتم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين بعد هذه المراجعة إن ما أمرتكم به هو الأفضل أو قال‏:‏ لهم أني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم‏.‏

12 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحرث بن بلال عن أبيه ‏(‏قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه سخ الحج خاصة أم للناس عامة قال‏:‏ بل لنا خاصة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلى الترمذي وهو بلال بن الحرث المزني‏.‏

13 - وعن سليم بن الأسود إن أبا ذر كان يقول ‏(‏فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏ ولمسلم والنسائي وابن ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر‏(‏قال‏:‏ كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة‏)‏ قال‏:‏ أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحرث عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحرث بن بلال وقال‏:‏ أرأيت لو عرف الحرث بن بلال الا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يرون ما يرون من الفسخ أين يقع الحرث بن بلال منهم‏.‏ وقال‏:‏ في رواية أبي داود ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر‏.‏ قلت ويشهد لما قاله قوله‏:‏ في حديث جابر‏(‏بل هي للأبد‏)‏ وحديث أبي ذر موقوف وق خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما‏.‏

أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد‏.‏ وقال‏:‏ المنذري إن الحرث يشبه المجهول‏.‏ وقال‏:‏ الحافظ الحرث بن بلال من ثقات التابعين وقال‏:‏ ابن القيم نحن نشهد باللّه إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال‏:‏ ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى‏.‏ وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قال‏:‏ اه على محامل‏.‏ أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة‏.‏ وثانيهما أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به‏.‏ وأما ما في صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ـ ‏ومن جملة ـ‏ ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال‏:‏ بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال‏:‏ ‏(‏تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال‏:‏ رجل برأية ما شاء‏(‏ فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة

ومن جملة ماتمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم حيث قالت ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه‏)‏‏.‏ وهذا لفظ مسلم وظاهر أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه‏.‏ وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه قال‏:‏ في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى ‏(‏ومن متمسكاتهم‏)‏ ما في لفظ لمسلم من حديث عائشة أنها قالت ‏(‏فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر‏) وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال‏:‏ أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال‏:‏ نعم وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال‏:‏ لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز علي من رواه قالوا‏:‏ سلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها‏:‏ إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة للّه وقد أعاذهم اللّه من ذلك وبأهم منه قال‏:‏ فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا

ومن جملة ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول‏.‏ قال‏:‏ في الهدي وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع‏.‏ أحدها أنه محرم‏.‏ الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف‏.‏ الثالث أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن متمسكاتهم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال‏:‏ من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث‏.‏ في الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم‏.‏ وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك فالسنة أحق بالإتباع‏.‏ وإذا جاء نهر اللّه بطل نهر معقل‏.‏